يبدأ شارع ابن سندر بحديقة واسعة وأنيقة تتوج حي القبة شرق القاهرة، وينتهي امام سور قصر الطاهرة، وهو لا يستمد أهميته بين شوارع العاصمة القديمة والحديثة من
تميز الموقع أو فخامة وحساسية المنشآت، فهو على عكس ذلك يمتد باسترخاء شديد بعيدا عن قلب القاهرة الاستراتيجي المزدحم، كما يفتقر بشكل عام إلى المنشآت السياسية
المهمة والقصور، ولكن اهميته تنبع بشكل أساسي من التاريخ الطويل للمنطقة التي يتجول فيها ثم من اسم صاحبه. .
ونبدأ بسيرة المنطقة التي يعود تاريخ العمران فيها إلى الوف السنين، فعلى أيام الفراعنة كانت دلتا نهر النيل مكونة من سبعة فروع، الشرقي فيها كان يعرف باسم بحر
الطينة، وكان يمر على حافة المنطقة التي يمتد في قلبها الشارع الان وعلى ضفافه اقيمت مدينة اون او عين شمس او هليوبوليس، وهي مدينة فرعونية كانت مقرا لعبادة
رع او الشمس عند قدماء المصريين، كما أقيمت بها اقدم جامعة عرفها العالم منذ أكثر من ۷۷ قرنا، ودرس بها اغلب فلاسفة الاغريق، ومن أبرز منجزاتها العلمية حساب
التقويم الشمسي الذي نقله يوليوس قيصر إلى روما سنة 46 قبل الميلاد، ويسير عليه العالم في شتى انحاء المعمورة إلى يومنا هذا.
مدينة أون بما فيها الجامعة التي كانت تقع على مشارف المنطقة التي يمتد فيها شارع ابن سندر الان. دمرها الرومان عندما احتلوا مصر ونهبوا دررها الفنية والمعمارية
ونقلوها إلى أوروبا، ومنها المسلات الشامخة التي كانت تزخر بها، وابرزها مسلة بفلامينا التي تتوج الآن احد اهم ميادين العاصمة الإيطالية روما، ومسلة على شاطىء
نهر التيمس بلندن، وكذلك المسلة التي تزين الأن حديقة سنترال بارك بمدينة نيويورك. بعد الفتح العربي لمصر عرفت المنطقة التي يتجول فيها الشارع الآن بمنية مطر
وتم تحريفها الى المطرية وكانت تشمل احياء القبة والزيتون والمطرية وعين شمس، واسمها يرجع إلى الأمير مطر والى مصر من قبل الخليفة العباسي ابي جعفر
المنصور. وقبل الفتح العربي كانت هذه المنطقة تتمتع بمكانة مقدسة لدى اقباط مصر، فقد قيل إن السيدة مريم العذراء وطفلها السيد المسيح عليه السلام عندما هربا من بيت
لحم خوفا من الملك هيرود – نزلا بالمطرية، وأن السيدة مريم غسلت ثياب ابنها في عين ماء كانت تجرى هناك، ثم القت ماء الغسيل في الأرض، فنبت في موضع ماء
الغسل نبات البلسان الذي كان يؤخذ منه دهن البلسان المقدس، وبسبب هذه الرواية التي شكك فيها العديد من المؤرخين کان المسيحيون يتبركون بهذه المنطقة ونبات
البلسان الذي كانوا يعتقدون انه شاف للكثير من الأمراض، وكانوا يخلطونه بماء التعميد، كما كان حكام مصر يحافظون على هذا النبات ويقدمونه هدايا الملوك اوروبا في
ذلك الوقت، والغريب آن اسطورة نبات البلسان المزروع في المطرية استمرت وحافظت على قداستها حتى بعد مرور قرون عديدة على الفتح الإسلامي لمصر، فقد ذكر
المؤرخ ابن ایاس في بدائع الزهور أن السلطان العثماني سليم الأول ذهب الى بئر البلسان بالمطرية في جماد الاخرة عام ۲۳ه (۱۵۱۷م) وغسل وجهه من مائها واقام هناك
فترة طويلة.
اسم الشارع يرجع إلى الصحابي مسروح بن سندر الذي كان عبدا لروح بن زنباع الجذامي احد أعيان العرب في صدر الإسلام، وفي صباه ضبطه مولاه روح يقبل جارية
له، فحبسه وجذع انفه واذنه، فهرع ابن سندر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وشكا له، فارسل الرسول إلى روح رسالة يقول معناها (لا تحملوهم من العمل فوق ما
يطيقون، واطعموهم مما تأكلون، والبسوهم مما تلبسون، فإن رضيتم فأمسكوا، وان كرهتم فبيعوا، ولا تعذبوا خلق الله، ومن مثل به او احرق بالنار فهو حر، وهو مولى الله
ورسوله). وبمقتضى هذه الرسالة أصبح ابن سندر حرا، غير انه كان لحوحا ولم يكتف بذلك فقد طلب من رسول الله أن يوصى به فقال (اوصي بك كل مسلم)، وحفظ
الخليفة أبوبكر الصديق رضي الله عنه هذه الوصية واكرم ابن سندر طوال فترة خلافته، وعندما تولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه خير ابن سندر بين آن يجرى عليه
ما كان يجريه ابو بكر الصديق وبين أن يقطعه ارضا حيث شاء من ارض الفتوحات الاسلامية، فاختار الأخيرة وطلب الرحيل إلى مصر، وبالفعل توجه اليها عام ۲۳ ه
مصحوبة برسالة توصية كتبها عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص، وبناء عليها اقطعه ابن العاص بمجرد وصوله إلى مصر ارضا في منطقة خصبة عرفت بعده بمنية
الاصبع.
عاش ابن سندر في مصر حياة كريمة، وكان يتمتع بمكانة مرموقة، وقيل إنه كان لا يفارق ركب عمرو بن العاص ابنما حل، وفي احدى المرات اثار بعض افراد الركب
الغبار، فجعل عمرو طرف عمامته على انفه وقال: اتقوا الغبار فإنه اوشك شییء دخولا وابعده خروجا، فقال بعضهم لهؤلاء، تحوا، ففعلوا الا ابن سندر، فقال عمرو: دعوه
فإن غبار الخصي لا يضر، فغضب ابن سندر جدا واندفع إلى عمرو قائلا: أما والله لو كنت من المؤمنين ما اذيتني وقد علمت أن رسول الله اوصى بي كل مؤمن، فرد
عمرو بن العاص ملاطفة: يوفر لك الله فأنا بحمد الله من المؤمنين. كانت مساحة اقطاع ابن سندر الف فدان وعندما مات اشتراها الاصبع بن عبدالعزيز بن مروان فعرفت
باسمه، وقد كان والده واليا على مصر من قبل عبدالملك بن مروان، وفي هذه الأرض عقد الاصبع قرانه على السيدة سكينة بنت الامام الحسين بن على بن ابي طالب غير
أن الموت داهمه قبل أن يدخل بها. المنطقة التي تحيط بالشارع الآن تعرف باسم القبة نسبة لقبة انشأها بها يشبك بن مهدي الدوادار (ای ممسك الدواة الذي يتولى تبليغ
الرسائل من السلطان وإليه) عام ۱۶۷۰م وتلك القبة كانت تتميز بفخامة اسطورية وكان يقصدها السلطان قايتباى ومن تبعه من سلاطين المماليك حتى قنصوه الغوری،
فيمضون بها سحابة اليوم على سبيل التنزه والتخفف من أعباء الحكم، وكانوا قبلها يتنزهون في منطقة كانت تعرف بخليج الزعفران وبموقعها الآن سرای الزعفران مقر
ادارة جامعة عين شمس.
واذا كان الشارع يفتقر بشكل عام إلى القصور الملكية فإنه يعزي نفسه، بل ويفخر بمجاورة واحد من أهم القصور الملكية المصرية. واوسعها على الاطلاق، وهو قصر
القبة الذي يقع بالقرب منه، فقد انشأه ابراهيم باشا إبن محمد على على مساحة 180 فدانا، وآل بعده بالميراث إلى ابنه مصطفى فاضل الذي لم يكن على علاقة ودية مع
اخيه الخديو اسماعيل بسبب حصول الأخير على فرمان عثماني يحصر وراثة عرش مصر في ذريته، وقد كانت قبل ذلك في أكبر ابناء أسرة محمد على، وبناء على ذلك
فقد كانت من حق مصطفى فاضل بعد اسماعيل ويبدو أن الخديو – الذى جاهد في سبيل جعل وراثة العرش في نسله. بناء على هذا الصراع استكثر على أخيه مصطفى
فاضل قصرا بفخامة قصر القبة، فاضطره إلى أن يبيعه له عام 1866. وفي عام ۱۸۷۲ منح اسماعیل قصر القبة لابنه توفيق وفيه زفت إليه زوجته امينة بنت الهامي بن
عباس حلمي الأول. حياة توفيق في قصر القبة كانت تشبه العزلة لأنه لم يكن محبوبا من أفراد الأسرة الحاكمة لان امه لم تكن من الاميرات، بل جارية اسمها شفق نور
حملت به في لحظة غرام من اسماعيل فاضطر الى ان يتزوجها. وعندما ارتبكت احوال مصر السياسية والمالية في آخر عهد اسماعيل تواترت الإشاعات بأن السلطان
العثماني قرر خلع اسماعيل وتولية توفيق مكانه وفي حالة رفض اسماعيل يلفى السلطان الفرمان الذي حصر وراثة الحكم في ذرية اسماعيل، فنقل توفيق اقامته من قصر
القبة إلى سراى الاسماعيلية (مكانها الان مجمع التحرير) ليكون قريبا من مجرى الأحداث، وبالفعل قصده كثير منرجال الدولة والأعيان الذين عرفوا أن صولجان الحكم
خارج لا محالة من يد اسماعيل.وعندما انتبه اسماعيل إلى أن ابنه توفيق يمهد لخلعه استدعاه غاضبا وامره بالعودة فورا إلى قصر القبة، كما أمر بمنع الناس عنه، وحاصر
قصر القبة نفسه بالجنود، وظل توفيق مسجونا بين اسواره حتى تأكدت اشاعة خلع اسماعيل ووصلت برقية توليه توفيق من قبل السلطان العثماني فاضطر اسماعيل الى
ان يفك الحصار عن ابنه توفيق ويعيده مرة أخرى إلى سرای الاسماعيلية شهد توفيق الثورة العرابية وبارك الاحتلال الانجليزي وكان يتميز بشخصية ضعيفة وباهته،
وتوفي وهو في الأربعين من عمره عام ۱۸۹۲، وبعده تحول قصر القبة إلى ملكية خاصة للاسرة المالكة، وفيه زفت خديجة ابنة توفيق الى عباس حليم، ومنه انتقلا في
احتفال ضخم الى سرای حلوان.
يبدأ الشارع باتساع حديقة ابن سندر يتبعها عدد من العمارات الحديثة والضخمة، يتوسطها قصر قديم يحتوي على جمعية القبة الخيرية التي تأسست عام 1996، وداخل
السور لافتة ضخمة تعلن عن الشركة المصرية الألمانية لمهمات المكاتب، وبعده تطل واجهة محل دواجن ابن سندر. القصر القديم الذي تحيط به الهلال حديقة مهملة يواجه
مبنى مدرسة القبة الثانوية العسكرية التي تأسست عام ,۱۹۳۲ وبعدهما منجد الحبايب وشركة مكة المعدات البناء في عمارة عالية، ومطعم افندينا الذي يعلن عن الأصول
الملكية للشارع وبالقرب منه واجهة قصر قديم تخفي جامع المقصورة ومركزه الطبي. حلواني أميركان سويت بمخبوزاته الشرقية والغربية يحتل ناصية انيقة في . عمارة
ضخمة، بعدها ارض فضاء يحيط بها سور ملكي قديم وتستغله ورشة الصناعة المطابخ والابواب الخشبية، وداخلها اشجار تبکی عزها القديم بالقرب من عدد من المحلات
والورش حول جراج يجاور سور حديقة غادرها قصرها وناسها منذ زمن بعيد.
مدرسة سراي القبة الثانوية للبنات تشقع بالشارع خلف واجهة قصر مصنوعة من أحجار منحوتة على شاكلة الزهور وأوراق الشجر، وفي مواجهتها بتسع الشارع لانشطة
مركز شباب سرای القبة، وبعدها عمارة حديثة عالية ومركز اتصالات القبة الذي يمهد لنهاية الشارع التي تقع أمام سور قصر الطاهرة.