الأرشيف

شارع المنيل

شارع المنيل

 

شارع المنيل هو تاج جزيرة الروضة وزهرتها والشريان الأهم في قلبها يبدأ عند مقياس النيل الذي كان ترمومترا لقياس الرخاء في مصر على مدى قرون عديدة حتى بناء السد العالى، وبقاياه تنطوى الآن على سجل طويل من الأسرار داخل ردهات قصر المناسترلي الذي يقع في أول الشارع والجزيرة وداخله الآن متحف ام كلثوم)، وبعده مباشرة ينطلق الشارع ليشق حوالي ثلثي مساحة الجزيرة العتيقة، قبل أن ينتهي عند اعتاب شارع الروضة، والمسافة بينه وبين فرع النيل الغربي تساوي تقريبا المسافة بينه وبين الفرع الشرقي، لذلك فان شارع المنيل جدير تماما بلقب حامل أختام وأسرار تاريخ هذه الجزيرة وهو تاريخ مديد لا يقتصر على حدود الجزيرة، بل يتجاوزها ليحتل جزءا عزيزا ومؤثرا من تاريخ مصر كلها، فالجزيرة كانت على علاقة وثيقة ومتجددة بملوك مصر وحكامها منذ الفتح الإسلامي وطوال عهود متعاقبة فقد كانت منتجعا وارفا للملوك والأمراء وصفوة رجال الحكم، وفي ازهى فترات تاريخها اغتصبت مكانة القلعة وصارت مقرا لحكام مصر جزيرة الروضة التي يتوسطها شارع المنيل اقدم جزر نهر النيل التي تواجه القاهرة، وبدا دورها البارز في تاريخ مصر مع الفتح الإسلامي، فعندما اشتد ضغط المسلمين على حصن بابليون (قصر الشمع الآن) هرب المقوقس حاكم مصر وجنوده الرومانيون الى جزيرة الروضة وعسكروا في المنطقة التي تحتلها بداية الشارع الآن، وتركوا الحصن لكي يسقط في ايدي المسلمين بقيادة عمرو بن العاص في أول المحرم عام (۲۰ه) وبناء على هذا تم الصلح كما هو معروف وأعطى عمرو بن العاص عهدا للمصريين قال فيه (هذا ما اعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم.

 

وبناء على هذا العهد غادر المقوقس الجزيرة وثبت عمرو بن العاص دعائم الفتح العربي لمصر، واصبحت الجزيرة بما فيها أرض الشارع محل اهتمام شديد من الولاة المسلمين على مدى عشرات السنين، لعل أهم مظاهره انه في ولاية مسلمة بن مخلد الانصاری انشئت بها دار لصناعة السفن الحربية والتجارية غير انه في عام (۲۹۳، ۸۷۹م) كانت الجزيرة والشارع على موعد مع اهتمام من نوع آخر مهد لجعلها مسرحا للصراعات والدسائس، ففي ذلك العام وقعت جفوة بين الموفق طلحة شقيق الخليفة العباسي المعتمد بالله وأحمد بن طولون والى مصر، وموجز هذه الجفوة أن المعتمد بالله جعل ولاية العهد بعده لابنه المفوض ثم لاخيه الموفق، وقسم بينهما اعمال الدولة، وجعل للمفوض الأقطار الغربية بما فيها مصر، ولاخيه الموفق الأقطار الشرقية، وحرر بينهما عقدا علقه على استار الكعبة.

 

وكان المعتمد كما يجمع العديد من المؤرخين سادرا في شهواته وغير ملتفت الشؤون الحكم لذلك فقد تسلط أخوه الموفق ليس فقط على نصيبه ولكن على الدولة برمتها، ودخل في حرب شعواء ضد الزنج الذين قاموا بثورة في البصرة، وتلك الحرب أوقعته في ضائقة مالية اضطرته الى الاستعانة بأحمد بن طولون فأرسل له مليونا ومئتي ألف دينار، ولكن الموفق استقلها، بل وأرسل يوبخه بعبارات قاسية لم يتحملها ابن طولون، ورد عليه بعبارات أشد، بعد أن نبهه الى أن مصر لا تقع في دائرة نفوذه حسب العقد الذي علقه المعتمد على الكعبة.

 

في ذلك الوقت أرسل المعتمد رسالة سرية لابن طولون حذره فيها من ان اخاه الموفق يدس له الجواسيس ويؤلب عليه القادة، وبالفعل تحقق ابن طولون من ذلك وعاقب القواد والأعيان الذين تعاونوا مع جاسوس الموفق، مما أثار غضب الأخير فكلف موسی بن بغا اكبر قادة الدولة العباسية في ذلك الوقت بمحاربة ابن طولون وخلعه من ولاية مصر وخوفا من ذلك انشا ابن طولون على الجانب الشرقي من الجزيرة وتحديدا على مشارف المنطقة التي يحتلها شارع المنيل الآن حصنا ونقل اليه حريمه وامواله وذخائره، كما ارسل سفنه لسد مدخل النيل عند دمياط لكى لا يؤتي من البحر المتوسط، وكذلك منع السفن من نقل المؤن والغلال من صعيد مصر حتى لا تكون عونا للجيش المهاجم.

 

ولكن كل هذه الإجراءات الأمنية ذهبت أدراج الرياح ليس لان ابن طولون هزم ولكن لأن القائد العباسي ابن بغا تلكأ في الشام لكي يؤجل مواجهته، وهناك داهمه المرض وتوفي قبل أن يتوجه الى مصر وينعم برؤية حريم ابن طولون في قلب الجزيرة.

 

غير ان هناك عددا من المؤرخين يرجع سبب انشاء ابن طولون للحصن في الجزيرة الى سبب آخر وان كان لا يبتعد كثيرا عن صراعه مع الموفق، فقد قالوا ان الموفق اراد ان يربك ابن طولون او يرعبه، فكلف من سرق نعله من مكان سری كان يبيت فيه مع احدى محظياته، ثم ارسل اليه النعل مشفوعا برسالة ساخرة قال فيها (كلفني الحصول على هذا النعل خمسين ألف درهم، ولو أردت قتلك الفعلت بنفس المبلغ) فما كان من ابن طولون لكى يحمى رأسه وعرضه وصولجانه الا ان اندفع الى الجزيرة واقام بالقرب من شارع المنيل حصنا منيعا.

 

 

في عهد الدولة الفاطمية تحول الشارع والجزيرة الى منتجع للخلفاء والأمراء، فبنى الأمر بأحكام الله في المنطقة التي تقع على مشارف الشارع الآن قصر الهودج الذي تزوج فيه الفتاة البدوية التي جلبها من الصعيد رغما عنها فقد كانت تحب ابن عمها، واسوار هذا القصرشهدت مقتله على ايدي النزارية. كما اقام الفاطميون في وسط الشارع منظرة المشتهى التي كانت عبارة عن قصر صغير كامل المشتملات والمرافق، وبعدهم تحول الى زاوية المشتهى التي كانت تعرف ايضا بزاوية الكازورني وهو احد اعلام الصوفية، وقد جددتها والدة الخديو إسماعيل وظلت تمارس شعائرها في شارع المنيل حتى اربعينات القرن الماضي وبالقرب من مكانها الآن تقاطع الشارع مع شارع صغير اسمه قصر المشتهى ويربط بين فرعى النيل.

 

 

في عهد الدولة الأيوبية كانت الجزيرة بما فيها شارع المنيل ملكا للمظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه ابن ايوب الذي كان ينوب عن عمه صلاح الدين الأيوبي في حكم مصر، وهو جد الملوك الذين حكموا ولاية حماة بصفتهم نوابا عن سلاطين مصر لمدة تقارب القرنين من الزمان.

 

وعندما استدعى صلاح الدين تقي الدين عمر الى الشام وارسل ابنه لكى ينوب عنه في حكم مصر احس تقي الدين انه لن يعود الى مصر مرة اخرى واخذ يفكر في التصرف في أملاكه ومنها الجزيرة والدار التي كانت تعرف بمنازل العز، وهي اصلا احد قصور السيدة تغريد زوجة المعز لدين الله الفاطمي ووالدة ابنه العزيز، وبعد طول تفكير جعل هذه الدار مدرسة عرفت بالمدرسة التقية، وأوقف عليها الجزيرة بأكملها.

 

 

ولما تولى الصالح نجم الدين آخر ملوك الدولة الأيوبية صادر الجزيرة وهدم العديد من المساجد والدور والقصور التي كانت تتوج أرض شارع المنيل من ناحية المقياس، وعلى مكانها بدأ انشاء قلعة حصينة على غرار قلعة صلاح الدين الأيوبي، لاتخاذها مقرا للحكم، وكذلك رغبة في اتخاذ الجزيرة منتزها وسكنا خاصا يحوي امواله وحريمه ومماليكه الذين أكثر من شرائهم وعرفوا باسم المماليك البحرية نسبة لنشأتهم بهذه الجزيرة والذين وصل بهم الأمر الى ان وحلوا مكان الأيوبيين في حكم مصر.

 

 

 

هذه القلعة كانت تعرف بقلعة الروضة ومنها اتخذت الجزيرة اسمها الحالي، وكان حولها ستون برجا عامرة بالأعمدة الرخامية المنقولة اليها من المعابد المصرية القديمة. |
ورغم أن الملك الصالح بالغ في الاعتناء بها حتى قيل أن كل حجر فيها تكلف دنیارا فإنه لم ينعم بها، فقد توفي قبل أن تكتمل على الوجه الذي أراد، وقيل وقتها أن سبب ذلك انه في سبيل انشائها هدم ۳۳ جامعا، وقطع الف نخلة فائقة الثمار، وبعد ممات الصالح نقل جثمانه في موكب سرى الى جزيرة الروضة وحفظ في قلعته حتى بنيت له تربة بجوار المدرسة الصالحية بخان الخليلي.

 

 

جزيرة الروضة وشارع المنيل وقعا ضحية الإهمال في عهد شجرة الدر وعز الدین ایبلك، وبعدهما قطز بسبب الصراع على الحكم وعدم ترسيخ اركان الدولة المملوكية، ولكن في عهد الظاهر بيبرس المؤسس الحقيقي لدولة المماليك، كان طبيعيا أن يعاد الاهتمام بالشارع والجزيرة فقد شهدا نشاة المماليك البحرية الذين ينتمي اليهم لذلله أعاد بيبرس اعمار القلعة وجدد ابراجها، ووزعها على امراء البحرية لصيانتها وحمايتها . تخليدا لظهور بذرة دولة المماليك في الجزيرة والشارع، ولجهودهم في الاعتناء بهما خصوصا القلعة وان كانوا على فترات متباعدة ينقضون عليها ويجعلونها ساحة للمؤامرات والاغتيالات واطلق اسم المماليك البحرية على ميدان يقع الآن في بداية شارع المنيل من ناحية المقياس وتتوسطه محطة للصرف الصحي.

 

 

يبدأ شارع المنيل بقصر المناسترلي وهو حسن فؤاد باشا المناسترلي نائب والي مصر في عهد عباس حلمي الأول، ورئيس مجلس الاحکام، ثم عين محافظا للقاهرة، وناظرا للداخلية عام ۱۸۰۸ وفي سبيل انشاء هذا القصر هدم جامع المقياس الذي قيل أن الصحابي عبدالرحمن بن عوف دفن في قبره، وهذا ما نفاه بعض المؤرخين واكدوا ان ابن عوف دفن في المدينة ولم يدخل مصر، وارجعوا قبر جامع المقياس لابنه سهيل فقد تزوج الثريا التي كانت اجمل بنات عصرها وانتقل بها الى مصر ومكان هذا الجامع انشأ المناسترلی جامعا صغيرا داخل قصره.

 

 

وقد كان مكان الجزء الجنوبي من هذا القصر سرای قديمة ذكرها مؤرخو الحملة الفرنسية باسم سرای نجم الدين – ولعله الصالح نجم الدين ايوب وكانت عند دخولهم مصر قد تهدم اغلبها، ونزل فيها قبلهم السلطان العثماني سليم الأول، وأثناء تجوله فيها حاول بعض امراء المماليك اغتياله انتقاما لشنق الاشرف طومان بای آخر سلاطين المماليك ولكن لم تنجح المحاولة.

 

 

قصر المناسترلی حولته وزارة الثقافة لمركز للفن ترأسه الدكتور حامد سعید، ثم حولته الى متحف (أم كلثوم) وبداخله حتى الآن بقايا المقياس الذي كان يقيس درجة فيضان النيل منذ الفراعنة وحتى عهد محمد على باشا، ومازال حتى الآن يحظى بالعديد من الأساطير ومنها ما رواه الاسطى ابوالروس الذي تقع ورشته بالقرب من بداية الشارع، فقد قال أن الناس خصوصا من سكان المنطقة كانوا يعتقدون الى فترة قريبة أن نهر النيل حفره الجن لسيدنا سليمان، وانه في قاع المقياس كان يوجد كتاب سليمان ومنشته)، وانه اذا وصل احد الناس اليهما في القاع سيتوقف النيل فورا عن الجريان، وأكد أبوالروس انه شخصيا كان مقتنعا بهذا الخرافة، وعندما نزل الى قاع المقياس بعد بناء السد العالى كان يكاد يموت خوفا من أن يجد الكتاب والمنشة فيتوقف النيل عن الجريان الى الابدال تلاصق قصر المناسترلي في اول شارع المنيل محطة للصرف الصحي وبالقرب منها عمارة حديثة أقيمت على اساسات بيت قديم، وبرج هائل مبنى على طراز العمارة الحديثة يواجه محل (وش الخير).

 

المركز المصرى للخدمات الدولية يحتل برجا آخر في الشارع وتحته مباشرة عدد من المحلات الصغيرة التي تحاول أن تخفي واجهة متآكلة لقصر قديم.. مستغلة في ذلك وجود ظل شجرة تعاني من الإهمال والشيخوخة.

 

 

على اعتاب ميدان المماليك البحرية بالشارع تطل واجهة صيدلية المماليك واطلال بيت قديم يعاني الاهمال بسبب غياب أصحابه الذين قال احد الجيران انهم سافروا للصعيد للوقوف بجانب احد اقاربهم الذي يعاني مرضا خبيثا، وبالقرب منه جدران متأكل لمحلات قديمة ومفلقة. .

 

وكالة المنيل تقع على ناصية تقاطع الشارع مع شارع الروضة، ومسجد شریف يحتل الناصية الاخرى ويتنسم روائح زهرة الروضة وكبابجي عنتر بلونه الأصفر الفاقع وعلى الرصيف المواجه له ماسح احذية شاب يتحين الفرصة للمرور الى الناحية الأخرى من الشارع حيث معروضات أو مأكولات مطعم مؤمن.

 

 

في العقار رقم 50 من الشارع تستقر سينما جرين وهي معطلة الآن، وقيل أن الرئيس الراحل أنور السادات كان بها ليلة قيام ثورة يوليو ۱۹۵۲، وبالقرب منها مقهى نادى الجمهورية الذي يعلن انه مخصص لأعضاء النادي الأهلي، وبرج عالي في دوره الارضى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى وبالقرب منه احد مطاعم ماكدونالدز تحت مستشفى في برج أهم ما يميزه أجهزة التكييف الهائلة التي تتزاحم على واجهته.

 

 

جامع الباشا يتوج ميدانا صغيرا في الشارع ويجاور مستشفى الروضة ومحل سندريلا ۲۰۰۰ وقصر الاليزيه للحلويات ومحلا للعب الأطفال، ثم عمارة انيقة تتخذ محلاتها اسماء فنية مثل (محمد منير) و(السلطانة)، أما الكوافير الرجالي الذي يتوسطها فقد اتخذ لنفسه اسما عسكريا أميركيا هو المارينز، والعمارة تقع بالقرب من مركز الجمل للكمبيوتر ومجوهرات الحداد والطير للملابس والسجاد وجميعها محلات انيقة لا ينقصها سوى وجود قصر قديم بسبب الاهمال تحول إلى مقلب قمامة.

 

 

مبنى مصلحة الضرائب على المبيعات بالشارع يقابله ربما رهبة منه عدد من المحلات المغلقة تتبعها محطة وقود ومجوهرات التازي وفادي للبطاريات وبقالة العائلات وكافيتريا السراي، وفي تلك المنطقة من الشارع كان يسكن احد اقطاب الفكر الماركسي في مصر وهو الناقد إبراهيم فتحي، ومنها اقتيد مرات عديدة الى غياهب السجن.
وسط هذه المنطقة تقع محطة الهلباوي وبعدها يواصل شارع المنيل امتداده ليبدأ فصل نهايته بظهور عدد من ورش اصلاح السيارات بينها مخبز وحلواني قصر العيني وكافتريا العظمة وحديقة جميلة تتوسطها شجرة كبيرة تحتها بعدد من العشاق يصنعون نهاية عاطفية لهذا الشارع.

 

 

شارع المنيل

 

شارع المنيل هو تاج جزيرة الروضة وزهرتها والشريان الأهم في قلبها يبدأ عند مقياس النيل الذي كان ترمومترا لقياس الرخاء في مصر على مدى قرون عديدة حتى بناء السد العالى، وبقاياه تنطوى الآن على سجل طويل من الأسرار داخل ردهات قصر المناسترلي الذي يقع في أول الشارع والجزيرة وداخله الآن متحف ام كلثوم)، وبعده مباشرة ينطلق الشارع ليشق حوالي ثلثي مساحة الجزيرة العتيقة، قبل أن ينتهي عند اعتاب شارع الروضة، والمسافة بينه وبين فرع النيل الغربي تساوي تقريبا المسافة بينه وبين الفرع الشرقي، لذلك فان شارع المنيل جدير تماما بلقب حامل أختام وأسرار تاريخ هذه الجزيرة وهو تاريخ مديد لا يقتصر على حدود الجزيرة، بل يتجاوزها ليحتل جزءا عزيزا ومؤثرا من تاريخ مصر كلها، فالجزيرة كانت على علاقة وثيقة ومتجددة بملوك مصر وحكامها منذ الفتح الإسلامي وطوال عهود متعاقبة فقد كانت منتجعا وارفا للملوك والأمراء وصفوة رجال الحكم، وفي ازهى فترات تاريخها اغتصبت مكانة القلعة وصارت مقرا لحكام مصر جزيرة الروضة التي يتوسطها شارع المنيل اقدم جزر نهر النيل التي تواجه القاهرة، وبدا دورها البارز في تاريخ مصر مع الفتح الإسلامي، فعندما اشتد ضغط المسلمين على حصن بابليون (قصر الشمع الآن) هرب المقوقس حاكم مصر وجنوده الرومانيون الى جزيرة الروضة وعسكروا في المنطقة التي تحتلها بداية الشارع الآن، وتركوا الحصن لكي يسقط في ايدي المسلمين بقيادة عمرو بن العاص في أول المحرم عام (۲۰ه) وبناء على هذا تم الصلح كما هو معروف وأعطى عمرو بن العاص عهدا للمصريين قال فيه (هذا ما اعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم وبرهم وبحرهم.

 

وبناء على هذا العهد غادر المقوقس الجزيرة وثبت عمرو بن العاص دعائم الفتح العربي لمصر، واصبحت الجزيرة بما فيها أرض الشارع محل اهتمام شديد من الولاة المسلمين على مدى عشرات السنين، لعل أهم مظاهره انه في ولاية مسلمة بن مخلد الانصاری انشئت بها دار لصناعة السفن الحربية والتجارية غير انه في عام (۲۹۳، ۸۷۹م) كانت الجزيرة والشارع على موعد مع اهتمام من نوع آخر مهد لجعلها مسرحا للصراعات والدسائس، ففي ذلك العام وقعت جفوة بين الموفق طلحة شقيق الخليفة العباسي المعتمد بالله وأحمد بن طولون والى مصر، وموجز هذه الجفوة أن المعتمد بالله جعل ولاية العهد بعده لابنه المفوض ثم لاخيه الموفق، وقسم بينهما اعمال الدولة، وجعل للمفوض الأقطار الغربية بما فيها مصر، ولاخيه الموفق الأقطار الشرقية، وحرر بينهما عقدا علقه على استار الكعبة.

 

وكان المعتمد كما يجمع العديد من المؤرخين سادرا في شهواته وغير ملتفت الشؤون الحكم لذلك فقد تسلط أخوه الموفق ليس فقط على نصيبه ولكن على الدولة برمتها، ودخل في حرب شعواء ضد الزنج الذين قاموا بثورة في البصرة، وتلك الحرب أوقعته في ضائقة مالية اضطرته الى الاستعانة بأحمد بن طولون فأرسل له مليونا ومئتي ألف دينار، ولكن الموفق استقلها، بل وأرسل يوبخه بعبارات قاسية لم يتحملها ابن طولون، ورد عليه بعبارات أشد، بعد أن نبهه الى أن مصر لا تقع في دائرة نفوذه حسب العقد الذي علقه المعتمد على الكعبة.

 

في ذلك الوقت أرسل المعتمد رسالة سرية لابن طولون حذره فيها من ان اخاه الموفق يدس له الجواسيس ويؤلب عليه القادة، وبالفعل تحقق ابن طولون من ذلك وعاقب القواد والأعيان الذين تعاونوا مع جاسوس الموفق، مما أثار غضب الأخير فكلف موسی بن بغا اكبر قادة الدولة العباسية في ذلك الوقت بمحاربة ابن طولون وخلعه من ولاية مصر وخوفا من ذلك انشا ابن طولون على الجانب الشرقي من الجزيرة وتحديدا على مشارف المنطقة التي يحتلها شارع المنيل الآن حصنا ونقل اليه حريمه وامواله وذخائره، كما ارسل سفنه لسد مدخل النيل عند دمياط لكى لا يؤتي من البحر المتوسط، وكذلك منع السفن من نقل المؤن والغلال من صعيد مصر حتى لا تكون عونا للجيش المهاجم.

 

ولكن كل هذه الإجراءات الأمنية ذهبت أدراج الرياح ليس لان ابن طولون هزم ولكن لأن القائد العباسي ابن بغا تلكأ في الشام لكي يؤجل مواجهته، وهناك داهمه المرض وتوفي قبل أن يتوجه الى مصر وينعم برؤية حريم ابن طولون في قلب الجزيرة.

 

غير ان هناك عددا من المؤرخين يرجع سبب انشاء ابن طولون للحصن في الجزيرة الى سبب آخر وان كان لا يبتعد كثيرا عن صراعه مع الموفق، فقد قالوا ان الموفق اراد ان يربك ابن طولون او يرعبه، فكلف من سرق نعله من مكان سری كان يبيت فيه مع احدى محظياته، ثم ارسل اليه النعل مشفوعا برسالة ساخرة قال فيها (كلفني الحصول على هذا النعل خمسين ألف درهم، ولو أردت قتلك الفعلت بنفس المبلغ) فما كان من ابن طولون لكى يحمى رأسه وعرضه وصولجانه الا ان اندفع الى الجزيرة واقام بالقرب من شارع المنيل حصنا منيعا.

 

 

في عهد الدولة الفاطمية تحول الشارع والجزيرة الى منتجع للخلفاء والأمراء، فبنى الأمر بأحكام الله في المنطقة التي تقع على مشارف الشارع الآن قصر الهودج الذي تزوج فيه الفتاة البدوية التي جلبها من الصعيد رغما عنها فقد كانت تحب ابن عمها، واسوار هذا القصرشهدت مقتله على ايدي النزارية. كما اقام الفاطميون في وسط الشارع منظرة المشتهى التي كانت عبارة عن قصر صغير كامل المشتملات والمرافق، وبعدهم تحول الى زاوية المشتهى التي كانت تعرف ايضا بزاوية الكازورني وهو احد اعلام الصوفية، وقد جددتها والدة الخديو إسماعيل وظلت تمارس شعائرها في شارع المنيل حتى اربعينات القرن الماضي وبالقرب من مكانها الآن تقاطع الشارع مع شارع صغير اسمه قصر المشتهى ويربط بين فرعى النيل.

 

 

في عهد الدولة الأيوبية كانت الجزيرة بما فيها شارع المنيل ملكا للمظفر تقي الدين عمر بن شاهنشاه ابن ايوب الذي كان ينوب عن عمه صلاح الدين الأيوبي في حكم مصر، وهو جد الملوك الذين حكموا ولاية حماة بصفتهم نوابا عن سلاطين مصر لمدة تقارب القرنين من الزمان.

 

وعندما استدعى صلاح الدين تقي الدين عمر الى الشام وارسل ابنه لكى ينوب عنه في حكم مصر احس تقي الدين انه لن يعود الى مصر مرة اخرى واخذ يفكر في التصرف في أملاكه ومنها الجزيرة والدار التي كانت تعرف بمنازل العز، وهي اصلا احد قصور السيدة تغريد زوجة المعز لدين الله الفاطمي ووالدة ابنه العزيز، وبعد طول تفكير جعل هذه الدار مدرسة عرفت بالمدرسة التقية، وأوقف عليها الجزيرة بأكملها.

 

 

ولما تولى الصالح نجم الدين آخر ملوك الدولة الأيوبية صادر الجزيرة وهدم العديد من المساجد والدور والقصور التي كانت تتوج أرض شارع المنيل من ناحية المقياس، وعلى مكانها بدأ انشاء قلعة حصينة على غرار قلعة صلاح الدين الأيوبي، لاتخاذها مقرا للحكم، وكذلك رغبة في اتخاذ الجزيرة منتزها وسكنا خاصا يحوي امواله وحريمه ومماليكه الذين أكثر من شرائهم وعرفوا باسم المماليك البحرية نسبة لنشأتهم بهذه الجزيرة والذين وصل بهم الأمر الى ان وحلوا مكان الأيوبيين في حكم مصر.

 

 

 

هذه القلعة كانت تعرف بقلعة الروضة ومنها اتخذت الجزيرة اسمها الحالي، وكان حولها ستون برجا عامرة بالأعمدة الرخامية المنقولة اليها من المعابد المصرية القديمة. |
ورغم أن الملك الصالح بالغ في الاعتناء بها حتى قيل أن كل حجر فيها تكلف دنیارا فإنه لم ينعم بها، فقد توفي قبل أن تكتمل على الوجه الذي أراد، وقيل وقتها أن سبب ذلك انه في سبيل انشائها هدم ۳۳ جامعا، وقطع الف نخلة فائقة الثمار، وبعد ممات الصالح نقل جثمانه في موكب سرى الى جزيرة الروضة وحفظ في قلعته حتى بنيت له تربة بجوار المدرسة الصالحية بخان الخليلي.

 

 

جزيرة الروضة وشارع المنيل وقعا ضحية الإهمال في عهد شجرة الدر وعز الدین ایبلك، وبعدهما قطز بسبب الصراع على الحكم وعدم ترسيخ اركان الدولة المملوكية، ولكن في عهد الظاهر بيبرس المؤسس الحقيقي لدولة المماليك، كان طبيعيا أن يعاد الاهتمام بالشارع والجزيرة فقد شهدا نشاة المماليك البحرية الذين ينتمي اليهم لذلله أعاد بيبرس اعمار القلعة وجدد ابراجها، ووزعها على امراء البحرية لصيانتها وحمايتها . تخليدا لظهور بذرة دولة المماليك في الجزيرة والشارع، ولجهودهم في الاعتناء بهما خصوصا القلعة وان كانوا على فترات متباعدة ينقضون عليها ويجعلونها ساحة للمؤامرات والاغتيالات واطلق اسم المماليك البحرية على ميدان يقع الآن في بداية شارع المنيل من ناحية المقياس وتتوسطه محطة للصرف الصحي.

 

 

يبدأ شارع المنيل بقصر المناسترلي وهو حسن فؤاد باشا المناسترلي نائب والي مصر في عهد عباس حلمي الأول، ورئيس مجلس الاحکام، ثم عين محافظا للقاهرة، وناظرا للداخلية عام ۱۸۰۸ وفي سبيل انشاء هذا القصر هدم جامع المقياس الذي قيل أن الصحابي عبدالرحمن بن عوف دفن في قبره، وهذا ما نفاه بعض المؤرخين واكدوا ان ابن عوف دفن في المدينة ولم يدخل مصر، وارجعوا قبر جامع المقياس لابنه سهيل فقد تزوج الثريا التي كانت اجمل بنات عصرها وانتقل بها الى مصر ومكان هذا الجامع انشأ المناسترلی جامعا صغيرا داخل قصره.

 

 

وقد كان مكان الجزء الجنوبي من هذا القصر سرای قديمة ذكرها مؤرخو الحملة الفرنسية باسم سرای نجم الدين – ولعله الصالح نجم الدين ايوب وكانت عند دخولهم مصر قد تهدم اغلبها، ونزل فيها قبلهم السلطان العثماني سليم الأول، وأثناء تجوله فيها حاول بعض امراء المماليك اغتياله انتقاما لشنق الاشرف طومان بای آخر سلاطين المماليك ولكن لم تنجح المحاولة.

 

 

قصر المناسترلی حولته وزارة الثقافة لمركز للفن ترأسه الدكتور حامد سعید، ثم حولته الى متحف (أم كلثوم) وبداخله حتى الآن بقايا المقياس الذي كان يقيس درجة فيضان النيل منذ الفراعنة وحتى عهد محمد على باشا، ومازال حتى الآن يحظى بالعديد من الأساطير ومنها ما رواه الاسطى ابوالروس الذي تقع ورشته بالقرب من بداية الشارع، فقد قال أن الناس خصوصا من سكان المنطقة كانوا يعتقدون الى فترة قريبة أن نهر النيل حفره الجن لسيدنا سليمان، وانه في قاع المقياس كان يوجد كتاب سليمان ومنشته)، وانه اذا وصل احد الناس اليهما في القاع سيتوقف النيل فورا عن الجريان، وأكد أبوالروس انه شخصيا كان مقتنعا بهذا الخرافة، وعندما نزل الى قاع المقياس بعد بناء السد العالى كان يكاد يموت خوفا من أن يجد الكتاب والمنشة فيتوقف النيل عن الجريان الى الابدال تلاصق قصر المناسترلي في اول شارع المنيل محطة للصرف الصحي وبالقرب منها عمارة حديثة أقيمت على اساسات بيت قديم، وبرج هائل مبنى على طراز العمارة الحديثة يواجه محل (وش الخير).

 

المركز المصرى للخدمات الدولية يحتل برجا آخر في الشارع وتحته مباشرة عدد من المحلات الصغيرة التي تحاول أن تخفي واجهة متآكلة لقصر قديم.. مستغلة في ذلك وجود ظل شجرة تعاني من الإهمال والشيخوخة.

 

 

على اعتاب ميدان المماليك البحرية بالشارع تطل واجهة صيدلية المماليك واطلال بيت قديم يعاني الاهمال بسبب غياب أصحابه الذين قال احد الجيران انهم سافروا للصعيد للوقوف بجانب احد اقاربهم الذي يعاني مرضا خبيثا، وبالقرب منه جدران متأكل لمحلات قديمة ومفلقة. .

 

وكالة المنيل تقع على ناصية تقاطع الشارع مع شارع الروضة، ومسجد شریف يحتل الناصية الاخرى ويتنسم روائح زهرة الروضة وكبابجي عنتر بلونه الأصفر الفاقع وعلى الرصيف المواجه له ماسح احذية شاب يتحين الفرصة للمرور الى الناحية الأخرى من الشارع حيث معروضات أو مأكولات مطعم مؤمن.

 

 

في العقار رقم 50 من الشارع تستقر سينما جرين وهي معطلة الآن، وقيل أن الرئيس الراحل أنور السادات كان بها ليلة قيام ثورة يوليو ۱۹۵۲، وبالقرب منها مقهى نادى الجمهورية الذي يعلن انه مخصص لأعضاء النادي الأهلي، وبرج عالي في دوره الارضى الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى وبالقرب منه احد مطاعم ماكدونالدز تحت مستشفى في برج أهم ما يميزه أجهزة التكييف الهائلة التي تتزاحم على واجهته.

 

 

جامع الباشا يتوج ميدانا صغيرا في الشارع ويجاور مستشفى الروضة ومحل سندريلا ۲۰۰۰ وقصر الاليزيه للحلويات ومحلا للعب الأطفال، ثم عمارة انيقة تتخذ محلاتها اسماء فنية مثل (محمد منير) و(السلطانة)، أما الكوافير الرجالي الذي يتوسطها فقد اتخذ لنفسه اسما عسكريا أميركيا هو المارينز، والعمارة تقع بالقرب من مركز الجمل للكمبيوتر ومجوهرات الحداد والطير للملابس والسجاد وجميعها محلات انيقة لا ينقصها سوى وجود قصر قديم بسبب الاهمال تحول إلى مقلب قمامة.

 

 

مبنى مصلحة الضرائب على المبيعات بالشارع يقابله ربما رهبة منه عدد من المحلات المغلقة تتبعها محطة وقود ومجوهرات التازي وفادي للبطاريات وبقالة العائلات وكافيتريا السراي، وفي تلك المنطقة من الشارع كان يسكن احد اقطاب الفكر الماركسي في مصر وهو الناقد إبراهيم فتحي، ومنها اقتيد مرات عديدة الى غياهب السجن.
وسط هذه المنطقة تقع محطة الهلباوي وبعدها يواصل شارع المنيل امتداده ليبدأ فصل نهايته بظهور عدد من ورش اصلاح السيارات بينها مخبز وحلواني قصر العيني وكافتريا العظمة وحديقة جميلة تتوسطها شجرة كبيرة تحتها بعدد من العشاق يصنعون نهاية عاطفية لهذا الشارع.

 

 

 

Comments

  • No comments yet.
  • Add a comment