شارع الهرم
ينفرد شارع الهرم في القاهرة الكبرى بارتباطه الوثيق بالحضارة الفرعونية، فإذا كانت بعض الشوارع الشهيرة في هذه المدينة تزدحم بآثار الحضارة الإسلامية، فإن هذا
الشارع يقف شاهدا على ملامح حضارة عمرها سبعة الاف عام من تاريخ البشرية . ليس فقط لأنه ينتهي بأهرامات الجيزة، ولكن أيضا لأن سبب وجود هذا الشارع يرجع
إلى أن صلاح الدين الايوبي اتخذ من أرضه الممهدة جسرا لنقل الأحجار التي تم اقتلاعها من الاهرامات لتشييد قلعته على حافة جبل المقطم ، والتي صارت بعده مقرا
لحكم مصر حتى عهد محمد على باشا.. كانت عملية قاسية سواء على العمال الذين اقتلعوا هذه الأحجار او على الحمير والبغال التي نقلتها عبر جسر او شارع الهرم ، اما
قسوتها الفادحة فقد كانت على اثار الحضارة الفرعونية التي شوهت دون شك ولحسن الحظ أن صلاح الدين لم يبن قلعة اخرى والا كان قد أزال من الوجود الدليل الاهم
على عظمة تلك الحضارة.
شارع الهرم . أو الاهرام. لم يتأسس في عهد صلاح الدين الايوبي أو في عصر الدولة المملوكية ولكنه تأخر قرونا فبعد اتمام بناء القلعة ظلت منطقة جسر الهرم مهملة ولم
يكن يمر بها سوى بعض الأمراء الذين وجدوا في نهب آثار الجيزة وسيلة سهلة لبناء القصور والجوامع وكذلك بعض المتأمرين من المستشرقين الذين كانوا يدعون الولع
باكتشاف اسرار الحضارة الفرعونية رغم آن رغبتهم الحقيقية كانت المتاجرة في الآثار، وكانت مهمتهم الاجرامية سهلة وعلى اسس قانونية فلم يكن في مصر قانون يمنع
سرقة الاثار لدرجة ان الاثار التي كان يتم اكتشافها عبر الجهات الرسمية او الملكية كانت تقسم بالتساوي بين الحكومة المصرية والمكتشف الأجنبي .
وظل جسر الهرم على حاله كدرب خفى ومريح لنهب الاثار المصرية الى أن زار السلطان العثماني عبد العزیز مصرفي أبريل عام ۱۸۹۳ فبسبب ان السلطان العثماني
أبدى قبل القيام بزيارته التاريخية لمصر رغبته في التمتع بجولة سياحية او ترفيهية حول اهرامات الجيزة. أنشأ الخديو اسماعيل – على عجل . شارع أو جسر الهرم
وزينه بالأشجار على الجانبين وعمل به قناطر وبرابخ تمر فيها المياه للري ، فليس من اللائق أن يمر سلطان الامبراطورية العثمانية من جسر كان مخصصا لسارقي الاثار
.
تمت زيارة السلطان عبد العزيز على خير وجه في أبريل عام ۱۸۹۳ ومر من شارع الهرم واستراح في الطالبية أو قرية الطالبية قبل ان يتجول حول الأهرامات ومنذ ذلك
التاريخ والى فترة طويلة كان معظم رواد هذا الشارع من المتفرجين على الأهرامات والاثار القديمة وعند اخره أقام إسماعيل قصرا في غاية الروعة وعلى احد جانبيه أنشا
اخر يحتوي على حديقة مربعة كانت مساحتها تساوي نحو خمسمائة فدان ، وكانت تلك الحديقة تشتمل كما يقول على باشا مبارك في خططة التوفيقية من العجائب ما يبهر
العقول الى جوار الشلالات والأزهار والرياحين والطيور والوحوش والحيوانات الجبلية وكل نوع منها في مقاصير خاصة به وقد روعي رفع ارضها بحيث لا تنضح
بالماء في زمن الفيضان الذي كان يعم تلك المنطقة من الجهة الغربية كما شيد اسماعيل في شارع الهرم قصرين عظيمين بحدائق وبساتين تحيط بهما اسوار مبنية بالاحجار
الملونة ومساحتهما كانت نحو ثلاثة وتسعين فدانا احداهما لنجله حسين باشا والاخر لنجله حسن باشا ، ثم أنشأ الخديو إسماعيل في وسط شارع الهرم سكة حديد كانت تسير
عليها قطارات الترام حتى عام 1958 عندما أعيد تخطيط الشارع وتم نزع قضبان الترام ليصبح على صورته الحالية في اتجاهين مختلفين.
يمتد شارع الهرم – الأهرام من کوبری عباس الى اهرامات الجيزة لذلك فهو من أطول شوارع القاهرة الكبرى اذ يبلغ طوله ۱۱ كيلو مترا مربعا ويكاد يكون الشارع الوحيد
الذي يمر بطريق مستقيم وبعرض واحد يصل الى 40 متر بالاضافة الى تميز عمارته باللون الابيض بعد صدور قرار توحيد مبانی محافظة الجيزة وعلى ضفتيه تطل
واجهات مبنى الديوان العام للمحافظة الذي يتميز بأسلوب العمارة الكلاسيكية حيث اتساع الحجرات وارتفاع الجدران ، كذلك الحديقة التي تحيط به ويبدو انه كان في السابق
قصرة لأحد الأمراء وكذلك يوجد في الشارع ما يزيد على 30 فندقا وأكثر من 30 مسرحا وملهى ليلى ، كما يمتاز بالارتفاع المنخفض المبانية حيث لا يزيد الارتفاع في
الغالب على خمسة طوابق خصوصا بعد صدور القرار الخاص بتنظيم عملية الهدم والبناء في شارع الهرم ، والذي اشترط الا يزيد ارتفاع مباني الشارع على مساحة
عرضه بمقدار مرة ونصف ، ورغم أن تراخيص البناء في شارع الهرم لابد أن يحصل صاحبها على موافقة وزارتي السياحة والثقافة، فإنه تم تجاوزه في الفترة الاخيرة
وظهرت العديد من العمارات على جانبي شارع الهرم ارتفاعها يزيد كثيرة على ما حدده القرار .
شارع الهرم كان منذ عهد الخديو اسماعيل والى فترة طويلة الواحة الهادئة التي يفر اليها الأمراء والاثرياء ووجهاء القوم بعيدا عن ازدحام وصخب قلب القاهرة حيث
الهدوء والراحة ومن أشهر من سكن الشارع عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين الذي قام بإشراف زوجته الفرنسية فيللا انيقه حولتها وزارة الثقافة المصرية بعد رحيله
الى متحلف ومركز ثقافي يحمل نفس الاسم الذي اطلقه عليها طه حسين ” رامتان” وبالتحديد في بداية سبعينات القرن الماضي انقلب مسار شارع الهرم وأصبح من أكثر
شوارع القاهرة ازدحاما فضلا عن انه احتل بجدارة مكانة شارع عماد الدين القديمة وصار مكانا مفضلا للهو والمرح والسهر وربما مغامرات الحب الى جوار الفن
خصوصا الغناء لدرجة انه اصبح موطنا دائما لكل مطربي العالم العربي من المحيط الى الخليج، وابتداء من السبعينات بدأ يتبوا مكانته الجديدة .
کشارع سياحي وتجاري وفني وازدحمت على جانبيه أكبر وأهم الملاهي الليلية والمسارح التي تستقطب يومية العديد من مشاهير الفنانين والفنانات المصريين والعرب
لدرجة أن بعضهم اقام ملاهي ليلية ومسارح تحمل اسمه في شارع الهرم مثل ” مسرح الزعيم ” لصاحبه عادل امام وكازينو الفنانة عتاب الذي يحمل اسمها وكازينو الليل
الذي أقامته الفنانة شريفة فاضل وغيرها من الملاهي الليلية التي أقامها الفنانون ورجال الأعمال والتي تبدأ العمل من التاسعة مساء حتى الصباح ، وتستقطب أعدادا كبيرة
من جميع الجنسيات وأصبحت زيارة شارع الهرم غير مقتصرة فقط على الأماكن الأثرية بل امتدت الى الملاهي الليلية والمطاعم الشهيرة والإقامة في أفخم الفنادق مثل
فندق ” مينا هاوس ” الذي يقع أسفل الأهرامات مباشرة وغيره من الفنادق الشهيرة.